مَا السُورة التى نَزلت جُملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح ؟
مَا السُورة التى نَزلت جُملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح ؟
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستوى الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل، كان التظالم فاشيا، والخمر والميسر من مفاخره، والدعارة من معالمه.. وكان في استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يعلنها دعوة إصلاحية، تتناول تقويم الأخلاق، وتطهير المجتمع، ولكن الله سبحانه لم يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا الطريق؛ لأنه كان يعلم أن هذا ليس الطريق؛ فالأخلاق لا تقوم إلا على أساس من عقيدة، تضع الموازين، وتقرر القيم، وبدونها تظل القيم كلها متأرجحة، وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك، بلا ضابط، وبلا سلطان، وبلا جزاء.
فلما تقررت العقيدة بعد الجهد الشاق وعرف الناس ربهم وعبدوه وحده تطهرت الأرض من الرومان والفرس، لا ليتقرر فيها سلطان العرب، ولكن ليتقرر فيها سلطان الله، وتطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي، وتطهرت النفوس والأخلاق؛ لأن الرقابة قامت هنالك في الضمائر خوفا من الله وحياء منه وطمعا في رضاه، وارتفعت البشرية في نظامها إلى قمة سامقة لم ترتفع إليها من قبل، ولقد تم هذا كله؛ لأن الذين أقاموا هذا الدين كانوا قد وعدوا وعدا واحدا لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا؛ ألا وهو الجنة.
وما كان هذا ليحدث لو أن الدعوة بدأت خطواتها الأولى دعوة قومية أو اجتماعية أو أخلاقية، أو رفعت أي شعار إلى جانب شعارها الواحد: “لا إله إلا الله”.
قاعدة الألوهية الواحدة
إن طبيعة هذا الدين هي التي قضت بهذا؛ فهو دين يقوم كله على قاعدة الألوهية الواحدة، كل تنظيماته وكل تشريعاته تنبثق من هذا الأصل الكبير، ومتى استقرت عقيدة “لا إله إلا الله” في الأعماق ستقر معها في الوقت نفسه النظام الذي ترتضيه النفوس واستسلمت له، فالاستسلام هو مقتضى الإيمان، وبه تلقت تشريعات الإسلام بالرضا والقبول، لا تعترض عليه ولا تتلكأ في تنفيذه، وهكذا أبطلت الخمر والربا والميسر، والعادات الجاهلية بآيات من القرآن، أو كلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما تجهد الحكومات الأرضية في شيء من هذا فلا تبلغ إلا الظاهر، بينما المجتمع يعج بالمنكرات.
وجانب آخر من طبيعة هذا الدين أنه عملي ليحكم الحياة في واقعها، فهو لا يشرع إلا لحالات واقعة فعلا، إنه ليس نظرية تتعامل مع الفروض، ولابد أن يكون للمؤمنين بهذه العقيدة من السلطان ما يكفل تنفيذ النظام حتى يكون للشريعة جديتها.
والمسلمون في مكة لم يكن لهم حياة مستقلة ينظمونها بالشريعة، ومن ثم لم ينزل الله في هذه الفترة تنظيمات وشرائع، وإنما نزل لهم عقيدة، وخلقا منبثقا من هذه العقيدة، فلما صارت لهم دولة في المدينة تنزلت عليهم الشرائع التي تواجه حاجات المجتمع المسلم، ولم يشأ الله أن ينزل عليهم النظام والشرائع في مكة، ليختزنوها جاهزة، حتى تطبق بمجرد قيام الدولة في المدينة، إنه لا يفترض المشكلات ليفترض لها حلولا، وإنما يواجه الواقع بملابساته.
*المادة منتقاة من جواهر تفسير ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله بتعليقات وإضافات من كاتب المقال.