بوكاس والقاضي الحكيم
أما هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
ثم استدعى الحاجب التاجر والكسيح ، فوقفا بين يدى القاضي لسماع الحكم.
فسأل القاضي التاجر : هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين جوادا؟
قال التاجر : نعم
فسأل القاضي للكسيح : وأنت ؟
فقال الكسيح : نعم
ثم أخذهما القاضي الى الاسطبل ، فأشار التاجر في الحال إلى جواده وقد ميزه من بين عشرين جوادا، وكذلك تعرف الكسيح على الجواد .
عاد القاضي إلى مكانه، وقال للتاجر : الجواد جوادك فخذه ، أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
بعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضي إلى بيته . فسار التاجر خلفه . فالټفت القاضي إليه وسأله: ما الذى تريده؟ أم انك غير راض عن قراري ؟
أجاب التاجر: بلى ، ولكنى أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك النجار وليست للسمان ، وأن الجواد لي ، وليس للكسيح؟
قال القاضي : أما أمر النجار والسمان ، فقد وضعت النقود في قدح ماء ، ثم نظرت اليوم صباحا الى القدح لأرى ما اذا كان السمن طافيا على سطح الماء، فلو كانت النقود عائدة للسمان ، لكانت ملوثة بيديه الدسمتين ، ولطفا السمن في القدح.
وأما معرفة مالك الجواد فكانت أصعب ، فالكسيح أشار مثلك في الحال الى الجواد من بين عشرين جوادا ، ولكنني لم اقدكما إلى الإسطبل لأرى ما اذا كنتما ستتعرفان على الجواد : بل لأرى ايكما سيتعرف الجواد عليه ، عندما اقتربت أنت منه الټفت برأسه ، ومده إليك ، وعندما اقترب الكسيح إليه رفع أذنيه وقائمته مستنكرا، وهكذا عرفت أنك صاحب الجواد.
فقال التاجر آنذاك: أنا لست تاجر، بل أنا أمير البلاد جئت إلى هنا لأعرف حقيقة ما يقال عنك . وها أنا أرى الان أنك قاض حكيم ، فاطلب منى ما شئت لأكافئك به.
قال القاضي: أنا لا أحتاج مكافأة على أداء عملي بصدق وإخلاص.
الحكمة من قصة الأمير والقاضي العادل
العبرة من هذا القصة أن الذكاء من شروط تولي القضاء، وان العدل أساس الملك. وأنه مع القاضي الذكي والعادل لا تضيع الحقوق، وأن الإنسان الصالح لا يحتاج مكافأة لأداء عمله بإخلاص، كما اثبت ذلك هذا القاضي الذكي والعادل ذو الحنكة والخبرة، واذا كان عدل هذا القاضي هكذا فلماذا لا نثق في عدالة رب العباد ونسخط دائما! يكفي من يراقبنا من الأعلى والله على كل شيء وكيل.